كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {ففَتَحْنا أبوابَ السماء} قرأ ابن عامر: {ففَتَّحْنا} بالتشديد.
فأما المُنهمِر، فقال ابن قتيبة: هو الكثير السريع الانصباب، ومنه يُقال: هَمَر الرجلُ: إذا أكثر من الكلام وأسرع.
وروى عليٌّ رضي الله عنه أن أبواب السماء فُتحت بالماء من المَجَرَّة، وهي شَرَجُ السماء.
وعلى ما ذكرنا من القصة في [هود: 44] أن المطر جاءهم، يكون هو المراد بقوله: {ففَتَحْنا أبوابَ السماء} قال المفسرون: جاءهم الماء من فوقهم أربعين يومًا، وفُجِّرت الأرض من تحتهم عيونًا أربعين يومًا.
{فالتقى الماءُ} وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو رجاء، وعاصم الجحدري: {الماءان} بهمزة وألف ونون مكسورة.
وقرأ ابن مسعود: {المايانِ} بياءٍ وألف ونون مكسورة من غير همز.
وقرأ الحسن، وأبو عمران: {الماوانِ} بواو وألف وكسر النون.
قال الزجاج: يعني بالماء: ماء السماء وماء الأرض، ويجوز الماءان، لأن اسم الماء اسم يجمع ماء الأرض وماء السماء.
قوله تعالى: {على أَمْرٍ قد قُدِرَ} فيه قولان.
أحدهما: كان قَدْر ماء السماء كقَدْر ماء الأرض، قاله مقاتل.
والثاني: قد قُدر في اللوح المحفوظ، قاله الزجاج.
فيكون المعنى: على أمر قد قُضي عليهم، وهو الغرق.
قوله تعالى: {وحَمَلْناه} يعني نوحًا {على ذات ألواحٍ ودُسُرٍ} قال الزجاج: أي: على سفينةٍ ذاتِ ألواحٍ.
قال المفسرون: ألواحها: خشباتها العريضة التي منها جُمعت.
وفي الدُّسُر أربعة أقوال.
أحدها: أنها المسامير، رواه الوالبي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والقرظي، وابن زيد، وقال الزجاج: الدُّسُر: المسامير والشُّرُط التي تُشَدِّ بها الألواح، وكل شيء نحو السَّمْر أو إدخال شيء في شيءٍ بقوَّة وشِدة قَهر فهو دَسْر، يقال: دَسَرْتُ المسمار أدْسُرُه وأَدْسِرُه.
والدُّسُر: واحدها دِسار، نحو حِمار، وحُمُر.
والثاني: أنه صَدْر السفينة، سُمِّي بذلك لأنه يَدْسُر الماء، أي: يدفعه، رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال الحسن وعكرمة؛ ومنه الحديث في العنبر أنه شيء دسره البحر، أي: دفعه.
والثالث: أن الدُّسُر: أضلاع السفينة، قاله مجاهد.
والرابع: أن الدُّسُر: طرفاها وأصلها، والألواح: جانباها، قاله الضحاك.
قوله تعالى: {تَجْري بأعيْننا} أي: بمَنْظَرٍ ومرأىً مِنّا {جزاءً} قال الفراء: فعَلْنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم ثوابًا لمن كُفِر به.
وفي المراد ب {مَنْ} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الله عز وجل، وهو مذهب مجاهد، فيكون المعنى: عوقبوا لله ولكُفرهم به.
والثاني: أنه نوحٌ كُفِر به وجُحِد أمْرُه، قاله الفراء.
والثالث: أن {مَنْ} بمعنى {ما}؛ فالمعنى: جزاءً لِما كان كُفِر من نِعم الله عند الذين أغرقهم، حكاه ابن جرير.
وقرأ قتادة: {لِمَنْ كان كَفَر} بفتح الكاف والفاء.
قوله تعالى: {ولقد تَرَكْناها} في المشار إليها قولان.
أحدهما: أَنها السفينة، قال قتادة: أبقاها الله على الجوديّ حتى أدركها أوائل هذه الأمة.
والثاني: أنها الفَعْلة، فالمعنى: تركنا هذه الفَعْلة وأمر سفينة نوح آية، أي: علامة ليُعتبر بها، {فهل مِنْ مُدَّكِرٍ} وأصله مُدتكِر، فأبدلت التاء دالًا على ما بيَّنّا في قوله: {وادَّكَرَ بعدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45] قال ابن قتيبة: أصله: مذْتَكِر، فأْدغمت التاء في الذال، ثم قُلبت دالًا مشدَّدة.
قال المفسرون: والمعنى: هل من متذكِّر يعتبر بذلك؟ {فكيف كان عذابي ونُذُرِ} وفي هذه السورة {ونُذُر} ستة مواضع، أثبت الياء فيهن في الحالين يعقوب، تابعه في الوصل ورش، والباقون بحذفها في الحالين، وقوله: {فكيف كان عذابي} استفهام عن تلك الحالة، ومعناه التعظيم لذلك العذاب.
قال ابن قتيبة: والنُّذُر هاهنا جمع نذير، وهو بمعنى الإنذار، ومثله النَّكير بمعنى الإنكار.
قال المفسرون: وهذا تخويف لمشركي مكة.
{ولقد يسَّرنا القرآن} أي: سهَّلْناه {للذِّكر} أي: للحِفظ والقراءة {فهل من مُدَّكِرٍ} أي: من ذاكرٍ يذكره ويقرؤه؛ والمعنى: هو الحث على قراءته وتعلُّمه قال سعيد بن جبير: ليس من كتب الله كتاب يُقرأ كُلُّه ظاهرًا إلاّ القرآن.
وأمّا الرِّيح الصَّرصر، فقد ذكرناها في [حم السجدة: 160].
قوله تعالى: {في يومِ نَحْسٍ مُستمرٍّ} قرأ الحسن: {في يومٍ} بالتنوين، على أن اليوم منعوت بالنَّحْس.
والمُستمِّر: الدائم الشؤم، استمر عليهم بنُحوسه.
وقال ابن عباس: كانوا يتشاءمون بذلك اليوم.
وقيل: إنه كان يومَ أربعاء في آخر الشهر.
{تَنْزِعُ النّاسَ} أي: تقلعهُم من الأرض من تحت أقدامهم فتصرعهم على رقابهم فتدُقّ رقابَهم فتُبِين الرّأسَ عن الجسد، ف {كأنهم أعجاز نَخْلٍ} وقرأ أُبيُّ بن كعب، وابن السميفع: {أعْجُزُ نَخْلٍ} برفع الجيم من غير ألف بعد الجيم.
وقرأ ابن مسعود، وأبو مجلز، وأبو عمران: {كأنَّهم عُجُز نخل} بضم العين والجيم.
ومعنى الكلام: كأنهم أصول {نَخلٍ مُنْقَعِرٍ} أَي: مُنْقَلِع.
وقال الفراء: المُنْقَعِر: المُنْصَرِع من النَّخْل.
قال ابن قتيبة: يقال: قَعَرْتُه فانْقَعَر، أي قلعته فسقط.
قال أبو عبيدة: والنَّخْل يُذَكَّر ويؤنَّث، فهذه الآية على لغة من ذكَّر، وقوله: {أعجازُ نَخْلٍ خاويةٍ} [الحاقة: 8] على لغة من أنَّث.
وقال مقاتل: شبَّههم حين وقعوا من شِدَّة العذاب بالنَّخْل الساقطة التي لا رؤوس لها، وإنما شبَّههم بالنَّخْل لِطُولهم، وكان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعًا.
قوله تعالى: {كذَّبَتْ ثمودُ بالنُّذُر} فيه قولان.
أحدهما: أنه جمع نذير.
وقد بيَّنّا أن من كذَّب نبيًّا واحدًا فقد كذَّب الكُلَّ.
والثاني: أن النُّذُر بمعنى الإنذار كما بيَّنّا في قوله: {فكيف كان عذابي ونُذُرِ}؛ فكأنهم كذَّبوا الإنذار الذي جاءهم به صالح، {قالوا أبَشَرًا مِنّا} قال الزجاج: هو منصوب بفعل مُضْمَر والذي ظهر تفسيره، المعنى: أنتبع بَشَرًا مِنّا {واحدًا}، قال المفسرون: قالوا: هو آدميّ مِثْلَنا، وهو واحد فلا نكون له تَبَعًا {إنّا إذًا} إن فعلنا ذلك {لَفي ضلالٍ} أي: خطأٍ وذهاب عن الصواب {وسُعُرٍ} قال ابن عباس: أي: جنون.
قال ابن قتيبة: هو من: تَسَعَّرتِ النّارُ: إذا التَهبتْ، يقال: ناقةٌ مَسْعُورةٌ، أي: كأنها مجنونة من النشاط.
وقال غيره: لَفي شقاءٍ وعَناءٍ لأجل ما يلزمنا من طاعته.
ثم أنْكَروا أن يكون الوحي يأتيه فقالوا: {أَأُلْقِي الذِّكْرُ} أي: أَنَزَل الوحيُ {عليه مِنْ بينِنا} أي: كيف خُصَّ من بيننا بالنُّبوَّة والوحي؟! {بل هو كذّابٌ أشِرٌ} وفيه قولان.
أحدهما: أنه المَرِح المتكبِّر، قاله ابن قتيبة.
والثاني: البَطِر، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {سيَعْلَمونَ غدًا} قرأ ابن عامر وحمزة: {ستَعلمون} بالتاء {غدًا} فيه قولان.
أحدهما: يوم القيامة، قاله ابن السائب.
والثاني: عند نزول العذاب بهم، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {إنا مُرْسِلوا النّاقةِ} وذلك أنهم سألوا صالحًا أن يُظْهِر لهم ناقةً من صخرة، فقال الله تعالى: {إنّا مُرْسِلوا النّاقةِ} أي: مُخرجوها كما أرادوا {فِتنةً لهم} أي: مِحنةً واختبارًا {فارتَقِبْهم} أي: فانتظر ما هم صانعون {واصْطَبِر} على ما يُصيبُك من الأذى، {ونَبِّئْهم أنَّ الماءَ قسمةٌ بينهم} أي: بين ثمود وبين الناقة، يوم لها ويوم لهم، فذلك قوله: {كُلُّ شِرْبٍ مُحتضَرٌ} يحضُرُهُ صاحبُه ويستحقُّه.
قوله تعالى: {فنادَوا صاحبَهم} واسمه قُدار بن سالف {فتعاطى} قال ابن قتيبة: تعاطى عَقْر الناقة {فعَقَر} أي: قتل؛ وقد بيَّنا هذا في [الأعراف: 77].
قوله تعالى: {إنا أرسلنا عليهم صَيْحةً واحدةً} وذلك أن جبريل عليه السلام صاح بهم؛ وقد أشرنا إلى قصتهم في [هود: 61] {فكانوا كهَشِيم المُحتظِر} قال ابن عباس: هو الرجُل يجعل لغنمه حظيرة بالشَّجر والشوك دون السِّباع، فما سقط من ذلك وداسته الغنمُ، فهو الهَشيم.
وقد بيَّنا معنى {الهشيم} في [الكهف: 45].
وقال الزجَّاج: الهَشيم: ما يَبِس من الورق وتكسَّر وتحطَّم، والمعنى: كانوا كالهَشِيم الذي يجمعه صاحبُ الحظيرة بعد أن بلغ الغاية في الجفاف، فهو يُجمع لِيوقد.
وقرأ الحسن: {المُحتظَرِ} بفتح الظاء، وهو اسم الحظيرة؛ والمعنى: كهشيم المكان الذي يُحتظَر فيه الهشيم من الحطب.
وقال سعيد بن جبير: هو التراب الي يتناثر من الحيطان.
وقال قتادة: كالعظام النَّخِرة المحترقة.
والمراد من جميع ذلك: أنهم بادوا وهلكوا حتى صاروا كالشيء المتحطِّم.
قوله تعالى: {إنا أرسَلْنا عليهم حاصِبًا} قال المفسرون: هي الحجارة التي قُذِفوا بها {إلاّ آلَ لوطٍ} يعني لوط وابنتيه {نجَّيْناهم} من ذلك العذاب {بسَحَرٍ} قال الفراء: {سَحَرٍ} هاهنا يجري لأنه نكرة، كقوله: نجَّيناهم بِلَيْلٍ، فإذا ألقت العرب منه الباء لم يَجر، لأن لفظهم به بالألف واللام، يقولون: ما زال عندنا منذُ السَّحَرِ، لا يكادون يقولون غيره، فإذا حذفت منه الألف واللام لم يُصْرَف.
وقال الزجاج: إِذا كان السَّحر نكرة يراد به سَحَرٌ من الأسحار، انصرف، فإذا أردتَ سَحَرَ يومِك، لم ينصرف.
قوله تعالى: {كذلك نجزي من شكرَ} قال مقاتل: من وحدَّ الله تعالى لم يُعَذَّب مع المشركين.
قوله تعالى: {ولقد راودوه عن ضَيفه} أي: طلبوا أن يسلِّم إليهم أضيافه، وهم الملائكة {فطَمَسْنا أعيُنهَم} وهو أن جبريل ضرب أعيُنَهم بجَناحه فأذهبها.
وقد ذكرنا القصة في سورة [هود: 81].
وتم الكلام هاهنا، ثم قال: {فذوقوا} أي: فقُلنا لقوط لوط لما جاءهم العذاب: ذوقوا {عذابي ونُذُرِ} أي: ما أنذركم به لوط، {ولقد صبَّحهم بُكْرَةً} أي: أتاهم صباحًا {عذابٌ مستقِرٌ} أي: نازل بهم.
قال مقاتل: استقرَّ بهم العذابُ بُكْرةً.
قال الفرّاء: والعرب تُجري {غُدوة} و{بُكرة} ولا تُجريهما، وأكثر الكلام في {غُدوة} ترك الإجراء، وأكثر في {بكرة} أن تُجرى، فمن لم يُجرها جعلها معرفة، لأنها اسم يكون أبدًا في وقتٍ واحد بمنزلة {أمسِ} و{غدٍ} وأكثر ما تُجري العربُ {غُدوةً} إذا قُرنت بعشيَّةٍ، يقولون: إني لآتيهم غُدوةً وعشيَّةً، [وبعضهم يقول: {غُدوة}، فلا يُجريها، و{عشيةً}] فيُجريها، ومنهم من لا يُجري {عشيَّة} لكثرة ما صحبت {غُدوةً}.